تُعتبر الجرائم المرتكبة من قبل أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية ظاهرة معقدة، ففي الكثير من الأوقات، يسعى الجاني إلى استخدام حالته النفسية كوسيلة للتهرب من العقوبة المقررة، لذا يأتي دور القانون في وضع أسس واضحة لتحديد مدى صحة ادعاءاته، حيث يتعين على الجهات المعنية التحري بدقة عن الحالة النفسية للجاني والسبل المتاحة لفحصها.
تحتوي المادة 338 من قانون الإجراءات الجنائية على إجراءات واضحة للفحص النفسي للمتهم، فمن خلال هذه المادة يُمنح القاضي الصلاحية لإصدار أمر بوضع المتهم تحت الملاحظة في منشآت الصحة النفسية الحكومية، إذا كان هناك شبهة حول حالته العقلية، وذلك لفترة لا تتجاوز خمسة وأربعين يوماً، مما يتيح للمحكمة معرفة مدى تأثير الاضطراب على سلوك الجاني.
في حالة اعتبار الجاني غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب إصابته باضطراب عقلي، ينص القانون على وقف محاكمته حتى يستعيد قدرته العقلية، وتتيح هذه الإجراءات للقضاء الإنصاف وتفادي الخطأ في إصدار الأحكام، فعند استحالة محاكمة المتهم بشكل عادل، يتوجب على النظام القانوني اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية حقوق الجميع.
إذا أدّت الحالة النفسية للمتهم إلى عدم قدرته على تحمل مسؤوليته الجنائية، يمكن للقاضي أن يأمر بحجزه في مراكز متخصصة لعلاج الأمراض العقلية، الأمر الذي يضمن حصول المتهم على الرعاية الصحية المناسبة، مع مراعاة الأبعاد القانونية اللازمة للعدالة وحماية المجتمع من أي خطر محتمل.
تتداخل العديد من الجوانب القانونية والنفسية عند فحص المتهمين الذين يعانون من اضطرابات عقلية، ولهذا فإن هذه الإجراءات ليست مجرد خطوات شكلية، بل تعتمد على تحليل دقيق للأدلة ودراسة معمقة للسلوك النفسي، مما يُظهر أهمية الأبعاد الإنسانية في التعامل مع حالات الجرائم المرتبطة بالصحة النفسية، وتضمن تحقيق العدالة بأعلى معاييرها.
