أصبحت محكمة النقض تمثل مرجعًا مهمًا في تحقيق العدالة الأسرية، حيث تُقدم مبادئ قانونية تنظم العلاقات بين الأزواج بعد الانفصال، وتعزز التوازن بين الحقوق والواجبات في قضايا النفقة والحضانة والخلع ومسكن الزوجية، وانطلقت الاحكام من ضرورة تحقيق الإنصاف والالتزام، وجاءت لتؤكد أهمية حماية الأسرة كهدف محوري للتشريع.
أوضحت محكمة النقض عبر أحكامها أن “مسكن الحضانة يجب أن يكون بقدر يسار الزوج لا برفاهية الزوجة”، حيث نبهت إلى أن مسؤولية الزوج في توفير مسكن الحضانة يجب أن تعكس قدرته المالية الفعلية، وليس الطموحات الشخصية أو رغبات الزوجة، وقد أكدت المحكمة أن الهدف الأسمى هو ضمان استقرار الطفل وراحته النفسية.
شددت المحكمة على أن المسكن هو وسيلة لحماية الطفل وليس جائزة لأحد الأبوين، في حين أنها غير معنية بتحقيق رغبات الأم في الرفاهية أو المظاهر الاجتماعية، فالأولوية تبقى لمصلحة الصغير، وهو ما يعكس الوعي القانوني بأهمية احترام حقوق الأطفال في بيئة آمنة ومستقرة.
يتناول إبراهيم أبو الحسن، المحامي المتخصص في قضايا الأسرة، أبعاد الحكم الأخير، حيث أشار إلى أن الحكم أغلق الكثير من الجدل حول مفهوم “مسكن الحضانة”، في ظل التضخم الحاصل في مطالبات توفير مساكن فخمة لا تتناسب مع دخل الزوج، مما ساهم في شيوع مفاهيم مغلوطة حول المسكن وتأمينه.
يوضح أن القانون يشدد على ضرورة أن يؤمن الزوج مسكنًا حضاريًا وآمنًا بما يتناسب مع حالته المادية، سواء عبر تخصيص جزء من مسكن الزوجية السابق أو استئجار مسكن آخر يتوفر فيه أساسيات الأمان والخصوصية، فالقضية تتطلب تقييمًا دقيقًا من المحاكم بناءً على تحريات المالية.
تؤكد المحكمة على ضرورة الموازنة بين مصالح الطفل وحقوق الأب، حيث لا يجوز تحميل الزوج ما يفوق قدرته المالية، كما يجب ألا تتعرض الأم لحرمانها من بيئة ملائمة لطفلها، فالهدف يبقى راحة واستقرار الطفل، وليس حرمان الأب أو تحميله ضغوطات إضافية غير محتملة.
ختم أبو الحسن بتأكيد أن أحكام محكمة النقض وضعت حدودًا واضحة أمام المبالغة في الدعاوى الأسرية، حيث رسخت فكرة أن العدالة لا تتعلق بالمظاهر، بل برؤية القيم الإنسانية الأساسية التي تحقق كرامة واستقرار الأسرة حتى بعد الانفصال، مما يعكس مسؤولية المحاكم تجاه الحقائق الإنسانية والمجتمعية.
